كتاب (كل، صل ، أحب) .. رحلة إيطاليا





14 أكتوبر 2011

بعد مشاهدة مقابلة اوبرا مع إليزابيث كاتبة (كل ، صل، أحب )، كنت قد اتخذت قرار قراءة الكتاب، ولكني بعد أشهر من شرائه لم أكن قد قرأته بعد.

حملته في حقيبة السفر، لم أكن متحمسة بعد لقراءته، في رأسي كانت مطارق لكتب أخرى تريدني أن أقرأها بشدة: أطفال منتصف الليل لسلمان رشدي، و التغذية بالأحلام مذكرات أريل دورفمان ، لكني لم أستطع الحصول على نسخة.

في الطائرة فتحته لأقرأ الفصول الأولى. لم تعجبني كثيراً، بدت لي الكاتبة مفتعلة، وبعض الأسطر مجرد كلمات لملأ الفراغ. ثم جاء الفصل الذي تحدثت فيه عن الإسم الذي تفضله للرب، لم تعجبني. وضعت الكتاب جانباً، وقررت البحث عن كتاب آخر في أول مكتبة أصادفها.

لم أستطع العثور على أي كتاب آخر، في رحلة العودة حملت الكتاب مرة أخرى دون نية قراءته. لكن الكتاب، مفجوعاً بالهجر المبكر والحاسم، قرر ما لم يخطر ببالي. حين فتحت الحقيبة لاستخراج المحفظة لاحظت عبوة المياه المفتوحة، واكتشفت أن الكتاب قد تحول إلى كتلة من الماء، وشعرت بالإمتنان لأن هذه التضحية الجبارة قد أنقذت جوازي وتذكرتي وأموالي من المصير ذاته!

لم أقرأه بالطبع لأنه كان مبتلاً بشدة، لكني وبعد أن وضعته في الشمس، واتخذ شكله النهائي ككتاب سبق له السباحة، وبعد ان انتُزعت بعض صفحاته من مكانها نتيجة الحادثة المؤلمة، أظنني شعرت برغبة جديدة في إعادة محاولة القراءة!

الفصول التي انهيتها بدت لي جيدة، ربما ليس علي ان أصدق أنها مذكرات صادقة مئة بالمئة، لكنها مكتوبة بشكل رائع.

في هذا الكتاب ليز تتحدث عن رحلة بدأتها بعد علاقة زوجية فاشلة، وهي لا تريد الخوض كثيرا في تفاصيل زيجتها، أظن تحسباً لدعاوى قضائية محتملة من الطليق المسعور، ولكنها تشرح بشكل تفصيلي الحالة التي وجدت نفسها فيها قبل أن تطلب الطلاق مباشرة، ثم وبشكل سريع تلخص حالها في الفترة التي كانت فيها تحاول اتمام اجراءات الطلاق، قبل أن تبدأ الرحلة.

في الفصل الذي توقفت عنده، جربت ليزا أمراً مدهشاً: كتابة عريضة إلى الله، لتطلب فيها منه وبوضوح الأمور التي ترغب فيها، أو بشكل أدق هو أمر واحد، أن تحصل على الطلاق بأسرع ما يمكن. ثم بدأت بالتفكير في جميع الأشخاص الذين يمكن أن يوافقوا على إدراج أسمائهم على هذه العريضة، بداية من أفراد عائلتها وأصدقائها، مروراً بالمشاهير والسياسيين، وصولاً إلى غاندي. من الواضح أن الجميع يريد وبشدة أن تحصل ليز على الطلاق. لو كان لها أن تعمل تعديلا في النسخ القادمة، يمكنها أن تضيف إلى العريضة، جميع من قرأوا المذكرات :)

أتطلع لما تحمله الفصول القادمة، عن الرحلة ذاتها، بدئاً من إيطاليا.


17 أكتوبر 2011

انطباعي مع كتاب كل، صل، أحب يتحسن مع القراءة واعتقد ان انطباعي الأول يرجع لظروفي وقت بدأت القراءة. ليزا بالأصل كاتبة صحفية، وفي بعض الفصول تنجح في صياغة قصة مكتملة في حين تكون هناك فصول اخرى قصيرة وذات انطباع عابر. الفصل الذي توقفت عنده يتحدث عن بداية تعلمها اللغة الايطالية عند وصولها إلى روما، فهي تقول ان الجميع هناك مستعد لإعطاءك دروس محادثة مجانية بمجرد جلوسك في اي ساحة، فهم يبدأون الحديث معك مباشرة، وتسرد حادثة صادفتها مع عجوز إيطالية (ألا نحب جميعا ثرثرة العجائز؟). أخذت ليزا دروسا في الايطالية في امريكا، ولهذا أرادات السفر إلى إيطاليا لتدرسها بشكل مباشرة في التجربة، لكنها ايضا انضمت بشكل نظامي إلى مدرسة لتعليم اللغة في روما. تسرد ذهابها معتدة بنفسها إلى امتحان تقييم اللغة، غير شاكة بإنتماءها إلى المستوى الثاني على الأقل، لكنها وبعد نجاحها بمعجزة في الامتحان وضمها للمستوى الثاني تضطر للهرب بعيون مليئة بالدمع لتطالب من الإدارية ضمها للمستوى الأول حيث يمكنها أن تفهم على الأقل ما يُقال في الصف! أحببت هذا الفصل، وأحببت التفاصيل التي تسرد بها جولتها في المدينة وتعارفها مع الناس. هذا يشعرني أني هناك جزئياً، ويضعني في محنة التفكير الجدي بالسفر إلى روما!


30 أكتوبر 2011

تتحدث ليز عن تجاربها المميزة / اكتشافاتها في الطعام الايطالي. حين وصلت الى هذه الفقرة أدهشتني الحالة العاطفية التي تصفها، بعد تذوقها (افضل بيتزا في العالم). الطعام الذي جعلها "تفقد عقلها" ، الشعور بأنها تحب هذه البيتزا بشدة، حتى ان البيتزا قد تبادلها المحبة. الشعور انها تقيم علاقة مع هذه البيتزا. صديقتها صوفي، خرت منها الدموع تأثرا بجودة البيتزا.

لا أمر بالكثير من المدائح للطعام. في الواقع ولا في الكتب. ولم يسبق لي أن شاهدت أحدا يبكي لاعجابه بالطعام، أفهم ان هذه درجة عاطفية عالية، وأجد من الغريب أني لم أصادف أحدا وصلها. إما أني فاتني شيء ما أو أن ثقافتنا لا تحمل الكثير من التقدير للطعام بوصفه طعاماً، ولا نسرف في وصف مشاعرنا تجاهه.

حديثها جعلني أفكر بكتاب آخر أنوي قراءته في المستقبل وبعد الحصول على نسخة: بيوغرافيا الجوع.


6 نوفمبر 2011

بدأت أعتقد أن أحد الأسباب التي جعلت هذا الكتاب (كل، صل ، أحب) شائعاً بين السيدات ، كما هو مكتوب على الغلاف: "استمر ينتقل من إمرأة إلى أخرى كما لو كان سر الحياة" يرجع إلى كل تلك الأحاديث العفوية عن حالات عاطفية تمر بها أو خبرتها معظم إن لم يكن كل النساء لمرة واحدة على الأقل في الحياة.

إليزابيث لا تقدم حلولاً دائماً حين تتحدث عن مشكلات عاطفية، أو مسائل اجتماعية، ولكنها تكتب عن صراعها الشخصي معها، تثير الأسئلة، وأحياناً تنجح بالفعل في الوصول إلى نقطة أمان.

هناك ذلك الفصل الذي بدأت الحديث فيه عن شعورها بالإكتئاب، وصراعها بين أن تلجأ للحل الأسهل: الأدوية التي استعملتها بالفعل من قبل وثبت نجاحها، أو أن تخوض المحنة بصبر، أو أن تفتش عن راحتها في وسائل أخرى، كأن تكتب المزيد من الرسائل لله، وتكتب ردوده أيضاً.


في جزء آخر تتحدث عن التضحية، مستحضرة مثال أمها التي عاشت مع رجل غالبا ما كان مهملاً عاطفياً لها، لكنها بقيت معه لأنها كانت تحبه، ولأنها استطاعت أن تحصل على الأطفال والعائلة التي تشعر من خلالها بالإنجاز. لقد ضحت برغبة في سبيل الحصول على رغبات أخرى، لكن ليزا تطرح أسئلة عن ضرورة هذا النوع من التضحية، ولماذا لا يكون بإمكانها أن تطمح إلى الحصول على ما هو أكثر، هل التضحية هي نوع من إنكار الجدارة بما هو أكثر؟ وفي رأسي يكبر السؤال إلى: ماذا لو كنت فقط أفوت على نفسي الفرص الأكبر لمجرد اقتناعي أن ما أقوم به هو تضحية مستحقة؟ هناك مُثل يتم غرسها في أنفسنا حول القناعة والرضا، ولكنها تغدو خطيرة جداً حين تصبح محاولة لتقييد الطموح والإقتناع بأحقية الفرد فينا بما هو أفضل، أو بما هو مستحيل. وربما يكون العكس صحيحاً أيضاً: أن السعي اللانهائي بإتجاه الأفضل والأكثر يعني تفويت الفرص المتاحة الأجمل. الرضا والقناعة ليسا سيئين، وأعتقد أن ليزا تطرح السؤال المهم: ما الذي أعتقد أنني أستحقه في الحياة؟



وتستحضر نصاً هنديا: "من الأفضل أن تعيش قدرك الخاص بشكل غير مثالي على أن تعيش محاكاة لقدر شخص آخر بشكل مثالي."

وهو ما يحيلنا مباشرة إلى إتباع ذلك القدر المصمم خصيصاً للمرأة، منذ ولادتها، هي تعرف بالضبط ما ستكون عليه حين تكبر، وما ستصبح عليه، وماذا ستكون المهارات التي تتقنها، وما هي الأشياء التي ستحبها. وهنا تحضر نصاً لفيرجينا وولف تقول فيه أن عبر القارة الواسعة لحياة المرأة هناك سيف يلقي بظله عليها، في احدى الجهات من السيف هناك الأعراف والتقاليد والنظام، حيث كل شيء "صحيح"، وفي الجهة الاخرى - إذا كانت مجنونة بما يكفي لتجاوز حد السيف خارج نطاق المتعارف عليه - ، فإن كل ما هنالك هو الإرتباك، لا شيء يسير وفق الأنظمة. ولربما هناك يمكن اكتشاف حياة أكثر إثارة للإهتمام، ولكنها لا تخلو من المخاطرة.





لكن الأقدار المعدة سلفاً ليست حقاً حكراً على المرأة، وليست محصورة في نطاق القدر المؤنث، لكن بطريقة ما هناك تصورات معدة مسبقاً عن "الصحيح" ضمن إطار الجماعة. فقط هي تغدو أكثر وضوحاً في حالة المرأة، ولربما مضاعفة.


14 نوفمبر 2011

الفصل الأخير من رحلة إيطاليا كان إبداعاً آخر في الفكرة. تصل ليزا إلى جزيرة سيسلي وتسير في الشوارع التي احتلتها عصابات المافيا وأحكمت سيطرتها عليها فوق سيطرة الحكومة، وفي الاحياء الفقيرة التي لا يبدو أنها تنتمي إلى إيطاليا إذ لا تزال تحمل آثار الحرب العالمية الثانية، تسير بين جدران المباني التي ربما ضمن ما تحوي من حجارة، تحمل أيضاً عظام الناس الذين دفنتهم المافيا للتخلص منهم، وتبحث ليزا عن أفضل مطعم لتناول الطعام فيه، كما فعلت في بقية المدن الإيطالية التي زارتها، ولكن هذه المرة يطرأ سؤال: في مثل هذا المكان، هل من السطحي أن تنشغل بالتفكير في أين تجد وجبتك الرائعة؟ أم أنه أفضل ما يمكن فعله بالنظر إلى الواقع غير السار؟

وتستعين بتفسيرات من كتاب (الإيطاليون) للكاتب لويجي بارزيني للسبب الذي يدفع الإيطاليون للسعي إلى الكمال في أمور الفن، الطهي، التصميم، الموسيقى، التمثيل، في الوقت الذي يعانون فيه من سياسيين، وجنرالات، وبروفيسورات، وصحافيين، غير أكفاء بشكل مخيف.



"في عالم من الفوضى والكوارث والتزييف، في بعض الأحيان وحده الجمال يمكن الثقة به. وحده التميز الفني غير قابل للفساد. لا يمكن المساومة على الشعور بالمتعة. وأحيانا تكون وجبة الطعام هي العملة الحقيقية الوحيدة."

"أن تكرس نفسك لصنع الجمال والتمتع به، إذن، يمكن أن يكون عملاً جاداً، ليس بالضرورة دائما كوسيلة للافلات من الواقع، ولكن في بعض الأحيان وسيلة للتمسك بشيء حقيقي عندما ينجرف كل شيء آخر للمبالغة والتآمر."


وهكذا تحاول أن تفهم، ما يمكن أن يكون قد فكر به أحد أهالي سيسلي، في محاولة للتمسك بحس الكرامة الإنسانية في الواقع الذي يعيشه، ربما فكر، بأنه يستطيع ان يفخر بنفسه لأنه استطاع صنع فيليه سمك شديد الإتقان.

وحين تضع ليز نفسها في المقارنة مع أهالي سيسلي فإنها تنتهي إلى أنها مثلهم، كانت بحاجة إلى البحث عن شيء جميل للتمسك به للشعور بحس الكرامة الإنسانية.


"عندما تشعر بأتفه إحتمال للسعادة بعد فترة طويلة من الأيام السوداء، يجب أن تقبض على تلك السعادة من كعبيها، إلى أن تسحبك إلى رأسك من ذلك الوحل. هذه ليست أنانية، بل واجب."

" لقد مُنحتَ الحياة، واجبٌ عليك (وكذلك هو حقك كإنسان) أن تعثر على شيء جميل في الحياة، مهما كان بسيطاً."

تعليقات

المشاركات الشائعة