العدالة الشخصية


غالبا ما تنتهي القصص الحزينة لارتطام الطائرات وتحطمها بصور العائلات المفجوعة، ثم أخبار عن تحقيق سريع جدا لأنك تريد حسم المسألة، ثم لوم الطيار الذي مات ضمن من ماتوا، وغالبا ما لا يتم تسميته ضحية بل الجاني، كما أثبت الصندوق الاسود، وإلا فلماذا هناك صندوق أسود.

لكن في هذه القصة بالذات كان هناك متورط آخر وهكذا لم يتم اغلاق الملف بسهولة. تم جر موظف برج المراقبة الى المحكمة. ليس أنه قاتل بالفطرة، وهو لا يستلذ بقتل الاطفال (أكثر من خمسين طفلا كانوا الضحايا الرئيسيين للحادثة) لكنه حاول قدر جهده وبالمعلومات المتاحة له أن ينقذ طائرتهم من ارتطام وشيك، ولم يكن يعرف انه يلعب ضد كومبيوتر يقدم للاعب الخصم/الطائرة الأخرى في الحادث/ التوجيهات ذاتها وهكذا انتهت الطائرتان الى عناق جوي قاتل.

المحكمة فهمت موقفه، ومنحته البراءة.

لكن والداً مفجوعاً بطفلين وأمهم، عائلته كلها، كانوا على متن الطائرة لم يفهم. وهكذا، بعد عامين من الحادثة، لم يجد مفراً من تشكيل جسد المراقب الجوي بعدة طعنات قاتلة.

حين قرأت الخبر شعرت بصدمة. لأني افترضت، في محكمتي الشخصية براءة المراقب من ذنب حادثة الطيران. ولم يعد ممكنا لي ان اقبل بعقابه بالقتل.

ولأفهم، حاولت ولا أزال تخيل حالة الفجيعة، أو طاقة الألم التي حملت الأب كل المسافة، ليس من روسيا الى ألمانيا فقط ، حيث يقطن المراقب، بل من كونه الانسان الأب الى الانسان القاتل، تلك الطاقة التي أحدثت فيه التحول الكافي ليستعمل السكاكين التي نقطع بها التفاح ليقطع بها جسد انسان وينهي حياته.

لكن الحقيقة هي أني لا أنسى هذه القصة التي قرأتها قبل خمس سنوات، لم أعد أشعر بالصدمة ذاتها، إذ أستمر في محاولة التخمين، أحيانا بدرجة من الإستعجال، كم بالضبط تستغرق تلك الرحلة/التحول قبل أن يصل المرء إلى نقطة التجرد من أخلاقه لصالح التخلص من ألمه، وتحقيق عدالته الشخصية.

تعليقات

المشاركات الشائعة