يومَ طـُرد إدوارد سعيد من فيكتوريا كولدج



ليس خيراً من وقت تعصف فيه العواصف للعودة إلى قراءة كتاب ممل، ومثير للإهتمام. هكذا بعد توقف عدة أشهر عن متابعة السيرة المملة للكيفية التي يجتهد بها والدا سعيد لكبحه عن أن يكون ولداً ، مشاغباً وشريراً كأي ولد آخر يحترم نفسه، أعود للقراءة بمتعة أكبر، وقد نجحت أخيراً في ملاحظة كيف أنهما يفشلان على أية حال.  

وأعترف أني أجد صعوبة في الإستمرار بإتهام الكتاب أنه ممل، وقد جعلني أضحك تلقائياً للطريقة المدهشة التي يحكي بها سعيد الحادثة التي طُرد بسببها، في الخامسة عشر من العمر، من المدرسة الثانوية (فيكتوريا كولدج) ، في القاهرة عام 1951، بعد رفضه أن يقرأ شكسبير، لأنه ببساطة، يريد أن يقرأ والتر سكوت.

خارج المكان ، إدوارد سعيد، صفحة 260 ،دار الآداب، الطبعة الاولى


يصف إدوارد شعوره يومها بالعزلة، بالذهول، بالخوف، وقد غدا بمعنى الكلمة "خارج المكان"، [أضف إلى ذلك الألم الجسماني الناجم عن حفلة جَلد أقامها له والده] ، لكن قدرته بعد سنوات عديدة على استعادة الحادثة وهو يكتبها ضمن سيرته بصياغة مثيرة للضحك، ويخبرنا كيف عاد مع أسرته بعد أكثر من 30 سنة ليريهم المدرسة التي طُرد منها، على سبيل "التسلية"،  يذكرنا بالجانب المشرق لأتعس حوادث حياتنا، إنها تصنع ذكريات مسلية حقاً.

يصف سعيد شعوراً آخراً أيضاً، وجد لنفسه مكاناً برغم الخوف والألم في ذلك اليوم:  "لقد تحررت من جسدي، وانعتقت من كل الارتهانات والواجبات والقيود المعتادة. لم أشعر قط أني حرّ وبمنأى عن أيّ توجيه على ذلك النحو الخطير الذي شعرت به حينها." ولا يرد من سعيد ما يشي بندمه على شيء، ولا على ذكائه الذي قاده إلى المهالك وتم تشخيصه بصفته ذنباً:

خارج المكان، إدوارد سعيد، صفحة 262، دار الآداب، الطبعة الأولى


بالطبع، ككل الأشياء الجميلة التي لا تدوم، لم يحتفظ إدوارد بحريته طويلا، إذ تم إرساله للولايات المتحدة الأمريكية، حيث أكمل دراسته إلى أن أصبح البروفيسور "إدوارد سعيد"،  أستاذ الأدب المقارن في جامعة كولومبيا، وأحد أهم نقاد الأدب، والكتاب العرب-أمريكيين.


ما حدث لسعيد قبل ستين عاما يؤكد أن ثمة أشياء ثابتة في الكون، وأن الفيزياء "شكراً لله" تحكم قبضتها على زمام كل شيء بما في ذلك حيواتنا. سيحارب العالم ما يشذّ عن قوانينه الأساسية، سيجلد الخارجين ويقصيهم، ولكنهم بطريقة أو بأخرى سيجدون مكانهم في نهاية المطاف.



ملاحظة هامشية وغير مفيدة: ثمة شيء ما يثير الريبة بخصوص فبراير، وأظن، على جميع طابعي التقاويم أن يطبعوا تنويهاً بهذا الخصوص.


تعليقات

المشاركات الشائعة