وهذه هي المنامة
17 ديسمبر، عشية رأس السنة الهجرية، عيد الشهداء، وعيد جلوس الملك.
تتوشح الأحياء بالسواد لإستقبال ليلة الحادي من محرم. تسخن السماعات ويرتقي الخطباء المنابر لينقلوا إلينا بأشجى الأصوات رسالة طويلة من شهيد أزلي يرفض أن يموت. هنا في الحي المستتر في عمق المدينة يتوشح الحزن قلوب المحبين للذكرى الأكثر اهمية في تقاويمهم السنوية، ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام. الآلاف في كل أنحاء البحرين ستعلن الحداد لعشرة أيام قادمة، ويقيمون مجالس النعي والرثاء صباحاً ومساءً، ويعرضون عن كل حفلة بهيجة، فالوقت الآن لحزن مقدس وبكاء مضمون الأجر، ومواساة لا تُغلب ليصبوا فيها كل آلامهم ومآسيهم وأحزانهم، حين بجنب مصيبة الحسين تهون كل المصائب.
ومن نافذة غرفتي يجيئني صوت الناعي (ضمني عندك ياجداه في هذا الضريح) مختلطاً بأصوات لقرع الطبول وغناء غير مفهوم وموسيقى بعيدة في مفارقة جارحة وغريبة، لكنها تحدث هنا في المنامة. الطبول لا تقرع في المأتم الذي يموج بأنة طويلة، لكنها ترتفع على بعد كيلومترات قليلة فيما تحمى حلبة رقص أفريقية على كورنيش الملك فيصل، في احتفالات عيد جلوس الملك، يرقص العبيد رقصات أفريقية وهندية وأخرى بلا أصل، في بهجة مدفوعة الأجر ولا يمكن أن تجتمع مع ليلة حزينة كليلة الحادي من محرم، إلا عندما ينعدم الشعور بالعيب. المفارقة شاهقة، في البلد الذي نتعلم فيه كلمة عيب ضمن الكلمات الاولى الذي نتعلمها في أول فهمنا. نتعلم أن من العيب اظهار الفرح حين جارنا في الحزن، ولكن على الكورنيش لا يبدو أن أحداً من القائمين على الاحتفال من البحرينيين أو من أصحاب الجنسيات الغريبة قد سمع باحترام الجيرة عوضاً عن العيب. على التلفاز وفي قناة عراقية، كان الراهب المسيحي يقول ان احتفالات ميلاد المسيح "الكريسمس" في البصرة ستقتصر على اقامة الشعائر داخل الكنسية ولن يتم اقامة احتفالات مبهرجة احتراماً لمناسبة عاشوراء. لكن الذين يحتفلون الآن في الكورنيش بعيد بلاستيكي ليسوا مسيحاً بل مسلمين.
في شوارع أخرى ثمة نوع آخر من الاحتفال. أعمدة دخانية يتم إطلاقها بحرق الحاويات أو الإطارات، لذكرى رصاصتين انفجرتا في السابع عشر من ديسمبر 1994 في جبهتي الشهيدين هاني الوسطي وهاني خميس، فكانتا آخر شي عرفاه في هذا الوجود. قاتلهما لم يزل حراً، ربما يكون مشاركاً في محفل الرقص، هو في جنانه، لا يبالي بشي. أما حراسه فسيذرعون الشوارع طيلة الليل والنهار محاولين إيقاف دم الشهيد الذي لم يتوقف عن النزيف متخذاً أشكال عديدة أبسطها الطفل المقاوم.
وهناك، في قرية بعيدة تدعى المالكية، يتم الآن وفي هذه الليلة بالذات اعادة تصوير حادثة احتراق سيارات، بعد اعتقال سبعة متهمين. لا أحد يعرف متى سيتم اعتقال المتهمين بقتل أكثر من 40 شهيداً سقطوا في الفترة بين 1994 الى يومنا الحاضر ومتى سيتم اعادة تمثيل حوادث قتلهم وفي أي صبح سيتم جلبهم إلى قاعة المحكمة ومحاسبتهم على ما اقترفت أيديهم.
والآن، وفي لمحة كلاسيكية لليلة صاخبة وطويلة وحزينة، تختلط الموسيقى، بصوت النعي، بإنفجار بعيد لإسطوانة غاز.
مأجورين.
تتوشح الأحياء بالسواد لإستقبال ليلة الحادي من محرم. تسخن السماعات ويرتقي الخطباء المنابر لينقلوا إلينا بأشجى الأصوات رسالة طويلة من شهيد أزلي يرفض أن يموت. هنا في الحي المستتر في عمق المدينة يتوشح الحزن قلوب المحبين للذكرى الأكثر اهمية في تقاويمهم السنوية، ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام. الآلاف في كل أنحاء البحرين ستعلن الحداد لعشرة أيام قادمة، ويقيمون مجالس النعي والرثاء صباحاً ومساءً، ويعرضون عن كل حفلة بهيجة، فالوقت الآن لحزن مقدس وبكاء مضمون الأجر، ومواساة لا تُغلب ليصبوا فيها كل آلامهم ومآسيهم وأحزانهم، حين بجنب مصيبة الحسين تهون كل المصائب.
ومن نافذة غرفتي يجيئني صوت الناعي (ضمني عندك ياجداه في هذا الضريح) مختلطاً بأصوات لقرع الطبول وغناء غير مفهوم وموسيقى بعيدة في مفارقة جارحة وغريبة، لكنها تحدث هنا في المنامة. الطبول لا تقرع في المأتم الذي يموج بأنة طويلة، لكنها ترتفع على بعد كيلومترات قليلة فيما تحمى حلبة رقص أفريقية على كورنيش الملك فيصل، في احتفالات عيد جلوس الملك، يرقص العبيد رقصات أفريقية وهندية وأخرى بلا أصل، في بهجة مدفوعة الأجر ولا يمكن أن تجتمع مع ليلة حزينة كليلة الحادي من محرم، إلا عندما ينعدم الشعور بالعيب. المفارقة شاهقة، في البلد الذي نتعلم فيه كلمة عيب ضمن الكلمات الاولى الذي نتعلمها في أول فهمنا. نتعلم أن من العيب اظهار الفرح حين جارنا في الحزن، ولكن على الكورنيش لا يبدو أن أحداً من القائمين على الاحتفال من البحرينيين أو من أصحاب الجنسيات الغريبة قد سمع باحترام الجيرة عوضاً عن العيب. على التلفاز وفي قناة عراقية، كان الراهب المسيحي يقول ان احتفالات ميلاد المسيح "الكريسمس" في البصرة ستقتصر على اقامة الشعائر داخل الكنسية ولن يتم اقامة احتفالات مبهرجة احتراماً لمناسبة عاشوراء. لكن الذين يحتفلون الآن في الكورنيش بعيد بلاستيكي ليسوا مسيحاً بل مسلمين.
في شوارع أخرى ثمة نوع آخر من الاحتفال. أعمدة دخانية يتم إطلاقها بحرق الحاويات أو الإطارات، لذكرى رصاصتين انفجرتا في السابع عشر من ديسمبر 1994 في جبهتي الشهيدين هاني الوسطي وهاني خميس، فكانتا آخر شي عرفاه في هذا الوجود. قاتلهما لم يزل حراً، ربما يكون مشاركاً في محفل الرقص، هو في جنانه، لا يبالي بشي. أما حراسه فسيذرعون الشوارع طيلة الليل والنهار محاولين إيقاف دم الشهيد الذي لم يتوقف عن النزيف متخذاً أشكال عديدة أبسطها الطفل المقاوم.
وهناك، في قرية بعيدة تدعى المالكية، يتم الآن وفي هذه الليلة بالذات اعادة تصوير حادثة احتراق سيارات، بعد اعتقال سبعة متهمين. لا أحد يعرف متى سيتم اعتقال المتهمين بقتل أكثر من 40 شهيداً سقطوا في الفترة بين 1994 الى يومنا الحاضر ومتى سيتم اعادة تمثيل حوادث قتلهم وفي أي صبح سيتم جلبهم إلى قاعة المحكمة ومحاسبتهم على ما اقترفت أيديهم.
والآن، وفي لمحة كلاسيكية لليلة صاخبة وطويلة وحزينة، تختلط الموسيقى، بصوت النعي، بإنفجار بعيد لإسطوانة غاز.
مأجورين.
وطن في الخوف! كيف يعتبر الانسان حيا في الخوف؟
ردحذفوطن فشل في حماية الانسان، يقصر الانسان عن حمايته!!
وما يكفي للذاكرة..